الزاوية التجانية باب الخضراء
نظرا لأهمية الزاوية في خدمة الإسلام و الطريقة فقد اهتم الشيخ الأكبر سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه بتأسيس بعض الزوايا في حياته منها زاوية قمار و زاوية تماسين و زاوية فاس،ثم واصل خلفاؤه من بعده تأسيا بشيخهم هذا العمل و من ذلك ما قام به الشيخ التماسيني في شراء أرض بتونس مجاورة للطرنجة و تأسيس زاوية عليها فسميت بالطرنجة ، أو زاوية الداريب أو زاوية السبخة ، و حديثا زاوية باب الخضراء هذه الأخيرة من الزوايا العريقة التي ساهمت في نشر الطريقة بتونس. تقع هذه الزاوية في شارع باب الخضراء المتفرع من شارع منجي سليم ، في المثلث الذي بين شارع الداريب و شارع الطرنجة و لهذا سميت بهذه التسميات لأنها مجاورة للأماكن الثلاثة .و هي اول زاوية أسست لسيدنا بتونس و هي مكتوبة من أملاك الإمام التماسيني رضي الله عنه أسست على يد الحاج سالم الجبالي عام 1254 ،كما أن لزاويتي باب منارة و زاوية سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري بتوزر قصب السبق في التأسيس ،فالأولى قطعة أرض شاغرة أهدتها امرأة صالحة الى سيدي الحاج على التماسيني ، أما الذي بناها فهو الشيخ سيدي محمد العيد التماسيني الأول (1844/1875) ،و الثانية أسسها سيدي الطاهر بن عبد الصادر القماري ،بالإذن من سيدي الحاج علي التماسيني ،أي قبل سنة 1844. فزاوية الطرنجة تكونت من ثلاثة مقاطع ، الأول المذكور انفا الذي اشتراه الإمام التماسيني رضي الله عنه ، و لم يوثق في وقته ، إنما كتب عقد ملكيته على الورق في خلافة سيدي محمد العيد الأول أما المقطع الثاني المتكون من(الطاحونة ، الجنان ) ،اشتراه الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد الأول عندما كان مارا بتونس لأداء فريضة الحج و عقد الملكية مكتوب على الجلد ، أما الثالث فاشتراه الخليفة الشيخ سيدي محمد الصغير لما كان مارا لأداء فريضة الحج كذلك و كتب عقد الملكية على الورق.
و في خلافة الشيخ سيدي الحاج علي التماسيني ،كان مقدمها الشريف سيدي الحاج عمر بن سليمان الزاوي ،الجزائري أصلا،الملقب بلقباش ، و هذا الأخير مقبور بها الذي توفي ليلة الأربعاء في ذي القعدة الحرام سنة 1271 و دفن بداره الملاصقة للزاوية الكائنة بنهج طرنجة قرب قشلة زواوة.ثم ألحقت داره بالزاوية ،و في إعادة بناء الزاوية اندثر قبره لكن مكانه معروف .و في شهر ربيع الأول 1261 الموافق لـ مارس 1845 نزل بزاوية الطرنجة سيدي الزاوي نجل سيدي الحاج علي التماسيني رفقة وفد منهم سيدي محمد بن الصديق السائحي لأداء مناسك الحج و استقبل في هذه الزاوية سيدي ابراهيم الرياحي و سيدي محمد النيفر. وسافر معه للبقاع المقدسة سيدي التجاني بن بابا الشنقيطي و سيدي المختار الشنقيطي اللذين لهما معرفة سابقة به لما كانا بتماسين .توفي سيدي الزاوي رحمه الله بمكة المشرفة وقبر بها بجوار السيدة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ،وقد وجه في حقه سيدي ابراهيم الرياحي جوابا الى سيدي الطاهر بن عبد الصادق قال له في آخر الجواب :” وعظم الله أجر الجميع في وفاة سيدي الحاج الزاوي حسبما بلغنا على ألسنة بعض الحجاج الحاضرين لوفاته أنها وقعت بمكة بعد انقضاء الحج بثلاث أيام.” ولما انتقل إلى رحمة الله المقدم الحاج عمر سال الذكر ، نصب الخليفة الشيخ محمد العيد الأول رجلا من أهل الخير و الصلاح و الديانة ممن حنكته السياسة ،الفقيه حسن الشرهان مقدما على زاوية الطرنجة هذا الأخير مجاز من قبل سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري لما التقى به في بلدة توزر قبل هذا التنصيب ، و هو الذي سماه بالشرهان بدل الغضبان.و بعد وفاة المقدم حسن الشرهان ، نصب عليها الفاضل المقدم محمد ابن الحسين، هذا الأخير من الذين استقبلوا الشيخ سيدي امعمر في زيارته المشهورة إلى تونس سنة 1291 الموافق لـ 1874.ثم عين عليها المقدم عبد الله بن محمد السوداني التوزري ،هذا الأخير مجاور من قبل الشيخ سيدي محمد العيد الأول و كانت له حظوة عنده رفقة أخيه سيدي ابراهيم السوداني . و لما انتقل سيدي عبد الله بن محمد السوداني الى جوار ربه قبر بمقبرة الجلاز الكاينة خارج باب عليوة ،أما نجله عبد الرحمن فقبر جوار سيدي الطاهر بن عبد الصادق القماري بتوزر. و ممن كان له حظ كبير في عمارة زاوية الطرنجة العلامة الكبير و المقدم الشهير الشيخ محمد مناشو صاحب التأليف الكثيرة في كل الميادين و من أشهر مؤلفاته في الدفاع عن الطريقة ” قمع التعصب و أهواء أعداء التجاني بالمشرق و المغرب”
وبعد وفاته تولى شؤونها العلامة و المقدم محمد بن ابراهيم القماري المغربي المولود عام 1900 بالمغرب أجازه العلامة الكبير سيدي لحسن البعقيلي بعدة إجازات . توفي رحمه الله في شهر صفر الخير 1423 الموافق لـ أفريل 2002، و رثاه شاعر الطريقة و تونس، محمد بن صابر الرياحي بما نصه:
رحماك اللهم
أقمار من شهدت له الأقمـــــار – و له تبوح بغيبها الأســــــرار
لبيت ربك في سعيــــــد ندائــه – و العمر طال و دونه الأعمار
في شهر خير فيه فتــــــح أكبر – قد ساق فيضا غيثه المـــدرار
بحر التيجاني أنت سابحه و هل – ساوته في ما قد حواه بحــــار
شيخ له دان المشائخ كلهــــــــم – هرعوا إليه صغارهم و كبــار
ذاك المربي ماله من مشبـــــــه – الجهر في منحــــاه و الإضمار
من مغرب ما مثله في مشـــرق – سطعت لما بوطابه أنــــــــوار
جمع الشريعة و الحقيقة رافــلا – في خير بستان بـــه أزهـــــار
منها جنى وردا تبسم فــــــاغما – و كسا حماه النرجس المعطار
يا من تمحض للعبادة دهــــــره – أكلا و شربا زاده الأذكــــــــار
فأنعم بعليين دار مقامــــــــــــة – للمتقين و نعم تلــــك الــــــدار
و بعد وفاة العلامة محمد لقماري تولى شؤون الزاوية المقدم الحبيب بن حامد إلى وقتنا الحالي، يؤم الناس في صلاة الجمعة و يشرف على سرد الدرس الخاص بأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لمدة عشر دقائق بعد الوظيفة اليومية التي تقام قبل صلاة المغرب.وكان دور بعض المقدمين دور فعال في زاوية الطرنجة و زاوية باب منارة و بعض الزوايا التجانية للأخرى بالحاضرة و بجامع الزيتونة كذلك منهم المقدم سيدي علي بن بلقاسم الرزقي المقدم و العلامة محمد بن أحمد النيفر المقدم ابراهيم معلا المقدم محمد بن صالح النيفر المقدم و العلامة محمد بن يوسف الحنفي و المقدم و العلامة محمد الشريف و المقدم سيدي محمد نجل سيدي ابراهيم الرياحي و المقدم حمود الجلولي و المقدم و الإمام الأكبر بجامع الزيتونة سيدي محمد محسن و المقدم حمدة شوشان .ولا ننسى الدعم المعنوي للزوايا التجانية من قبل العائلة الحسينية منهم علي باشا باي و حسين بن محمد باشا باي و الصادق باي.
أضرحة الزاوية : أول من قبر بها و بموافقة المقدم عبد الله بن محمد السوداني التوزري الذي كان مقدم بها في هذا التاريخ سيدي خضاري نجل الإمام التماسيني توفي عام 1293 لما كان متوجها للحج رفقة ابن اخيه سيدي احمد نجل الخليفة الشيخ سيدي محمد العيد و أما هذا الخير فقد تمم حجه. كما قبر بها سيدي الحاج علي التماسيني نجل سيدي السائح محمد العروسي و هو من أحفاد الإمام التماسيني أتى به والده للفحص سنة 1922 فتوفي حينها.وقبر بها كذلك سيدي محمد بن سيدي البخاري المولود عام 1918 بقمار و المتوفي يوم 28 أفريل 1954 بتونس و سيدي العيد بن سيدي الحبيب
تجديد الزاوية : وجددت الزاوية في الربع الأخير من القرن الماضي من طرف الخليفة الشيخ سيدي أحمد التجاني التماسيني حيث كلف الحبيب المشري القيرواني مشرفا عليها الذي قام بالمهمة على أحسن وجه.وفي اواخر القرن العشرين الميلادي تحولت الزاوية الى مسجد جامع تقام فيه الصلوات الخمس و صلاة الجمعة بالإضافة الى الوظيفة اليومية و حضرة الجمعة (هيللة) و مل بين 1996 ، 1998 رممت قبة الزاوية.
مساهمة الزاوية في الثورة : قامت هذه الزاوية و الزوايا التجانية الأخرى و دور التجانيين بتونس بدور مهم في دعم الثورة التحريرية المباركة حيث أعطت زاوية الطرنجة قاعة الصلاة لجبهة التحرير الوطني لاستثمارها في نشاط الكشافة الإسلامية الجزائرية من 1959 إلى الاستقلال.
المرجع:كتيب -سلسلة زوايا الطريقة التجانية- العدد1 شعبان 1430 (اصدار الزاوية التجانية –تماسين-) بتصرف