كلمة سيدي الحاج محمد الكبير البعقيلي

يمدح فيها أحفاد الشيخ رضي الله عنه وعنهم

ويحذر جميع الإخوان

بسم الله الحمد لله والصلاة على رسول الله

يوم 11 شوال 1435 هـ في دار الأخ الشريف سيدي محمد العلمي رضي اله عنه آمين

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياهم من الذين أنعم الله عليهم، وبالمناسبة كنا سنترحم على والدنا ونترحم على جميع أمواتنا ونترحم على سيدي بن عمر ونترحم على الإخوان الذين سقطت عليهم تلك المنازل والذين ماتوا تحت الأنقاض ولكن ما قدر الله كان ونحن راضون به، وسهرنا في هذا المجلس، مجلس علم ومجلس شرفاء وبيت شرفاء فنسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر ويرحم والدنا وإخواننا جميعا من آدم وحواء إلى اليوم الذي نحن فيه وأن يرحمهم وأن يجازيهم عنا كل خير وشيوخنا وكل من لقنونا ومن علّمونا وكذلك إخواننا الذين أحسنوا الظن فينا، وكذلك نسأل الله تبارك وتعالى لسيدي بن عمر الشريف الجليل الذي وضعنا كلمة لنترحم عليه وكذلك وضعنا كلمة لنشكر المحسنين الذين ساهموا في هذا البيت العظيم والذين أعطوا من قوتهم ومن مالهم ومن جهدهم ومن حركاتهم وسكناتهم حتى نسوا أهلهم ونحن في بيوتنا نائمين وأعطوا ما أعطوا وأثمر عملهم وكنا سنشكرهم ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجازيهم، لكن جاءت الموانع، وهي موانع شيطانية عظيمة اندست ما بين بعض الإخوان فأفسدت عليهم هم دينهم وأفسدت عليهم إيمانهم وأفسدت عليهم أعمالهم وأما الصلاح فهو صلاح والفلاح فهو فلاح والدين فهو دين ولا يمكن أن يفسده أحد ولا أن يلغو فيه أحد لأن الله هو الذي حفظه والله هو الذي تكفل به وقال ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[1].

نسأل الله تبارك وتعالى لسيدنا بن عمر الشريف الجليل والذي كنا نقدره ونحترمه، ونحترمه كما نحترم أخوه سيدي محمد الكبير رضي الله عنه، فنحترمهم ونقدرهم ونبجلهم ولم يبذر منا أننا وجهنا نظرنا إليهم وإنما دائما نطأطئ نظرنا دونهم ولا نمازحهم الكثير وكنا نحذو حذوهم في أدبهم وفي شرفهم وفي حياءهم وفي قدرتهم وتمكنهم، فسيدي بن عمر كما نعرفه كان يأتي عندنا ورأينا فيه الرجل الشريف الأصيل الرجل النسيب الحيي الأديب الذي لا يخرج من فمه إلا الخير ولا تسمع منه شيئا مما يتلبس به الكثير من عباد الله، وكان وداعنا في زاوية (درب السبليون) حي العيون ولما أراد أن يذهب إلى العمرة وودعناه ودعا لنا ودعونا له وكان يحبنا ونحبه ولا يتجاسروا في مقامنا على شيء أبدا، ومن آدابه أنه لا يتجاسر حتى إذا مرة أتى عنده أحد في زاوية العيون وطلب منه أحدهم أن يلقنه الطريقة فقال له أنا لا ألقن الطريقة فهناك الشيخ الذي يلقن الطريقة في هذه البلاد وأنا لا ألقن أحدا وكان ذلك دحرا له لذلك المنازع أمام الفقراء وكان له خزي عظيم في ذلك الأمر، هذا كله من أدبه وحياءه ومعرفته بربه وتمكنه من الشريعة والحقيقة والطريقة وحزنّا عليه ولكن الذي أذهب عنا الحزن هو أنه مات في تلك التربة الطيبة الطاهرة بجوار جده بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يوم عظيم وهو يوم عيد والمسلمون محتفلون به ودفن في أطهر بقعة وهي البقيع مع الصحابة ومع المجاهدين ومع زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة يذهب إلى البقيع فيترحم على أهلها سيما في آخر حياته، وهذا من فضل الله العظيم عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم بالنسبة للمدينة وهي أحاديث كثيرة « من زار المدينة ولم يزرني فقد جفاني »[2]، وقال كذلك في حق من مات « من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت »[3]، لأنها بلاد حرمها الله تبارك وتعالى وجاءت في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن استجار برسول الله صلى الله عليه وسلم فالله هو الذي يجيره وهو الذي يحفظه وهو الذي يجمعه مع الإخوان الصالحين ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾[4]، وأنّ على الإخوان أن لا يتجاسروا على أولاد الشيخ بأي شيء مهما كانوا، لا يتجاسرون عليهم ولا ينظرون إليهم، فمن أراد محبتهم فليوقرهم ويعظمهم بقلبه ويعطيهم بجميع ما عنده حتى شعرات رأسه، فكل من يتجاسر عليهم فلا يختم عليه الله تبارك وتعالى إلا بالسوء والبوار والفساد، وسيدي محمد الكبير (التجاني) لم أقدر عمري كله أن أوجه عيني لوجهه أو أحقق فيه، حياء منه، ولا نتحدث إلا بالكلام الذي لابد من التحدث فيه، ولا نتمازح في مجلسه، إلاّ ما كان ضروريا مثل الملح في الطعام، ولذلك فنحن نحذر الإخوان جميعا على أنه كل من بلغ الثمانية عشرة سنة منهم ذكرا أو أنثى دخل القطبانية، فاعلموا هذا، وكونوا على بالكم، وأكرموهم، ولا تكتفوا بالسلام عليهم، بل أكرموهم لوجه ربهم، ولوجه الشيخ، ولذلك نحن نعظمهم ونحترمهم، ونراهم من بعيد ولكن لا نحتك بهم لأن الاحتكاك بهم كله ضياع، وكل من احتك بهم رأينا مآله وكل من تجاسر عليهم رأينا مآله. وكل من تجاسر عليهم واحتك بهم وخانهم رأينا ما وقع له، نسأل الله تبارك وتعالى لهم الغفران وأن يجعلهم الله مع من أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم من الشهداء والصالحين، وكذلك الشهداء الذين وقعوا تحت الأنقاض، وهم شهداء أيضا كما قال صلى الله عليه وسلم « الشهداء خمس شهيد المعترك وشهيد الغرق وشهيد الردم وشهيد الحريق »[5]، فأما الشهداء الذين ذكرهم الله في كتابه فهم شهداء المعترك في سبيل الله، وأما الباقي فهم شهداء معنى شهداء أي تشهدهم الملائكة، إن استطاع الإنسان أن يغسلهم وإن لم يستطع فإنهم شهداء مدفونون تحت الأنقاض، لذلك نترحم عليهم ونترحم كذلك على إخواننا في فلسطين والعراق والشام وكل بلاد المسلمين. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُهدِّأ روعات المسلمين وأن يستر عوراتنا وأن يدفع عنا كيد الكائدين وأن يدفع هذا المكر العظيم من الماكرين حتى يقضي الله تبارك وتعالى عليهم ويجتث آثارهم وأوصافهم وسماتهم وأفعالهم من هذه الأرض الطاهرة المقدسة أرض الشام التي هي بلاد الأنبياء وبلاد فيها المجازر الآن وفيها القتل وكله بسبب ما قاله الأخ، عندما قال أن في تونس علمانيين ليس لنا الظاهر فكيف لنا بالباطن، إذن فهذه الدار هي دار سيدي محمد العلمي الذي هو أيضا مريض فنسأل الله له الشفاء وكذلك والده مريض نسأل له الشفاء وكل الإخوان الذين هم في هذه الليلة عنده، وأن يشفي هذه الوجوه وأن يجعله بلسما ودواء وسترا له وأن يصلح به الدنيا والإخوان والأخوات ممن يحبون له إلا الخير.

[1]  سورة الحجر الآية 9

[2]  قال صلى الله عليه وسلم « من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني » ابن حبان فى الضعفاء، والديلمى عن ابن عمر، والسيوطي في جامع الأحاديث

[3]  عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ شَفَعْتُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »

[4]  سورةالنساء الآية 69

[5] قال صلى الله عليه وسلم « الشهداءُ خمسةٌ : المطعونُ، والمبطونُ، والغريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ » الراوي : أبوهريرة. المحدث : السيوطي – المصدر : الجامع الصغير – الصفحة أو الرقم : 4954